كي تكون قاصاً أو روائياً .. أقرأ هنا
الحقيقة أن بعض الممارسين للكتابة القصصية والروائية يظنون أن مسألة الكتابة القصصية تتوقف على تقديم حكاية ما للقارئ ، واضعين كل طاقتهم الإبداعية رهن الحكاية المخترعة أو المختلقة أو كما يقال "المفبرَكة" .
ثمة حكاءون إذن يسعون إلى وضع الصفة الحكائية محل الصفة الأدبية . ومن ثم لا يجب مناقشتهم فى حقول الأدب، لا لشيئ إلا لأنهم كعامة البشر يحكون، فكل البشر لديهم القدرة على الحكي وعلى اختلاق الحكايا ، لكنما الأدب القصصى والروائى يتعلق بداية بالقدرة على تحويل المخيل السمعى إلى مخيل كتابى .. إلى نص .. وبغير النص الذى عماده اللغة لا الحكاية يجب ألا نناقش هذه الأعمال من الأساس، لكنما وفى الغالب نحن مضطرون إلى مناقشتهم طالما أنهم مصرون على الجلوس تحت راية المسمى الأدبي .
لكنما ويجب أن نحْذَر الدخول معهم فى مناقشات واسعة عالية، طالما تأكد لنا أن هذه التجارب لم تحقق أوليات التجربة الإبداعية واشتراطاتها؛ إذ المفترض فى هذه الحالة هو تحقيق الصدمة المطلوبة لهذه المنجزات الحكائية حتى نصل بهم إلى صحوة الحياة الأدبية / التوالد الإبداعي، والإنزياح عن الإرث المشترك إلى اللغة الخاصة.
ولعل هذا ما يجعلنا نقرر أن الانزياح هو الذي يحكم اللغة الأدبية بينما الدلالة الواقعية البسيطة أو حتى العميقة هى التى تحكم اللغات الوظيفية بوجه عام .
إن الأديب يعكس وعيه بالحياة من خلال اللغة وطريقة استخدامه لها لا من خلال الحكائية التى يمارسها .
وخضوعا لمنطق الحكاية التى لا نشك أنها عنصر من عناصر كثيرة تخص العمل القصصي أو الروائي فإننا مضطرون أن نعرج إلى التفرقة اللازمة بين الأحداث التى تنبني عليها القصة فى وجودها المستقل، قبل أن تتحول إلى عمل أدبي، وبين النص الأدبي باعتباره وسيطاً روائيا أو قصصياً له منطقه الخاص فى إعادة رصد هذه الأحداث من منظور زماني ومكاني مغاير، وثمة تفرقة أخرى بين المؤلف والراوية (السارد) ... المؤلف له استقلاليته باعتباره مخترع للراوية (السارد) وإن شئنا الدقة خالق له، والمؤلف بالضرورة هو خالق لعشرات الرواة (الساردين) فى عشرات النصوص، ولكن استقلال المؤلف يجعله بمنأى عن الالتحام بالراوية ( السارد) .
من ناحية أخرى ثمة تفرقة بين القارئ الضمني الذي يتوجه إليه المؤلف بالخطاب لحظة الكتابة، وبين القارئ المفترض.. القارئ الضمني هو قارىء وهمي يتوجه إليه المؤلف بالخطاب لحظة الكتابة ، والقارئ المفترض يظل مفترضاً فى التاريخ وهو الذى يتوجه إليه الراوية بالنص، وهو قارئ حقيقي، هو من بيننا نحن جمهرة القراء المفترضين في التاريخ.
هذه التفرقة تبدو أولية وضرورية ومن دون الوعى بها سيصبح المؤلف راوية، والقارئ المفترض هو القارئ الضمني ، ومن ثم ستصبح الرواية أو القصة باعتبارها نصاً أدبياً مجرد حكاية يتوجه بها كاتبها إلى آخرين لا باعتباره أديباً، وإنما باعتباره ممارسا لتزجية الفراغ أو حكاءً مهمته تسلية الجماهير بدعوى توعيتهم ، ثمة زعم أن تتحول التسلية إلى عمل مؤثر يثَـوِّر الجماهيرأو يوعيها، هذا كلام من قبيل الهرطقة لأن الأديب ليس جماهيرياً من ناحية ومن ناحية أخرى الغرض يظل عبثياً؛ لأن المهرج يظل مهرجا فى نظرنا إليه.
الأديب أديب بلغته وإلا فلا .. إن إختيار لغة الرواية ليس أمراً ميسوراً .. إذ هل علينا ونحن نكتب أن نراعي مستويات المتلقين الذين نفترض وجودهم افتراضاً ما ، وذلك على مذهب الأدب التعليمى الذى يذهبه النقاد العرب التقليديون والمتمثل فى أن الأدب يجب أن ينهض بوظيفة تنويرية في المجتمع، وعليه أن يفيد الناس ويهذبهم تهذيبا ؟ ومع إننا لا نذهب هذا المذهب العليل، ومع أننا أيضا نقر بأدبية اللغة حين تنشط عبر نفسها، فإننا مع ذلك نميل إلى ألا تكون هذه اللغة عامية ملحونة أو سوقية هزيلة أو متدنية رتيبة، و إلي استخدام لغة شعرية ما أمكن، مكثفة ما أمكن ، موحية ما أمكن، تصنع الجمل القصار ما أمكن، وتكون مفهومة مع ذلك لدى معظم القراء الذين لن يكونوا بطبيعة الحال عمالاً أو فلاحين أوحتى معلمى المدارس . هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى يوم أن يتنازل الأديب عن دوره وعن لغته التى هى دوره ليتحول إلى رجل مخترع للحكايات مفبرك للأحداث، خاضع تماماً لمنطق الواقع ومستخدما لأية لغة للتوصيل لا التخييل، فبماذا يمكننا مناقشته غير أن نُخضِع النقاش لنفس المستوى، وننظر فى حكايته التى يفبركها لنحصي له ما سقط فيه من فجوات أثناء الحكاية وما فاته أن يسبر غوره أمام الصابرين من القراء .
... يتبع ...
7
7
7
7
الحقيقة أن بعض الممارسين للكتابة القصصية والروائية يظنون أن مسألة الكتابة القصصية تتوقف على تقديم حكاية ما للقارئ ، واضعين كل طاقتهم الإبداعية رهن الحكاية المخترعة أو المختلقة أو كما يقال "المفبرَكة" .
ثمة حكاءون إذن يسعون إلى وضع الصفة الحكائية محل الصفة الأدبية . ومن ثم لا يجب مناقشتهم فى حقول الأدب، لا لشيئ إلا لأنهم كعامة البشر يحكون، فكل البشر لديهم القدرة على الحكي وعلى اختلاق الحكايا ، لكنما الأدب القصصى والروائى يتعلق بداية بالقدرة على تحويل المخيل السمعى إلى مخيل كتابى .. إلى نص .. وبغير النص الذى عماده اللغة لا الحكاية يجب ألا نناقش هذه الأعمال من الأساس، لكنما وفى الغالب نحن مضطرون إلى مناقشتهم طالما أنهم مصرون على الجلوس تحت راية المسمى الأدبي .
لكنما ويجب أن نحْذَر الدخول معهم فى مناقشات واسعة عالية، طالما تأكد لنا أن هذه التجارب لم تحقق أوليات التجربة الإبداعية واشتراطاتها؛ إذ المفترض فى هذه الحالة هو تحقيق الصدمة المطلوبة لهذه المنجزات الحكائية حتى نصل بهم إلى صحوة الحياة الأدبية / التوالد الإبداعي، والإنزياح عن الإرث المشترك إلى اللغة الخاصة.
ولعل هذا ما يجعلنا نقرر أن الانزياح هو الذي يحكم اللغة الأدبية بينما الدلالة الواقعية البسيطة أو حتى العميقة هى التى تحكم اللغات الوظيفية بوجه عام .
إن الأديب يعكس وعيه بالحياة من خلال اللغة وطريقة استخدامه لها لا من خلال الحكائية التى يمارسها .
وخضوعا لمنطق الحكاية التى لا نشك أنها عنصر من عناصر كثيرة تخص العمل القصصي أو الروائي فإننا مضطرون أن نعرج إلى التفرقة اللازمة بين الأحداث التى تنبني عليها القصة فى وجودها المستقل، قبل أن تتحول إلى عمل أدبي، وبين النص الأدبي باعتباره وسيطاً روائيا أو قصصياً له منطقه الخاص فى إعادة رصد هذه الأحداث من منظور زماني ومكاني مغاير، وثمة تفرقة أخرى بين المؤلف والراوية (السارد) ... المؤلف له استقلاليته باعتباره مخترع للراوية (السارد) وإن شئنا الدقة خالق له، والمؤلف بالضرورة هو خالق لعشرات الرواة (الساردين) فى عشرات النصوص، ولكن استقلال المؤلف يجعله بمنأى عن الالتحام بالراوية ( السارد) .
من ناحية أخرى ثمة تفرقة بين القارئ الضمني الذي يتوجه إليه المؤلف بالخطاب لحظة الكتابة، وبين القارئ المفترض.. القارئ الضمني هو قارىء وهمي يتوجه إليه المؤلف بالخطاب لحظة الكتابة ، والقارئ المفترض يظل مفترضاً فى التاريخ وهو الذى يتوجه إليه الراوية بالنص، وهو قارئ حقيقي، هو من بيننا نحن جمهرة القراء المفترضين في التاريخ.
هذه التفرقة تبدو أولية وضرورية ومن دون الوعى بها سيصبح المؤلف راوية، والقارئ المفترض هو القارئ الضمني ، ومن ثم ستصبح الرواية أو القصة باعتبارها نصاً أدبياً مجرد حكاية يتوجه بها كاتبها إلى آخرين لا باعتباره أديباً، وإنما باعتباره ممارسا لتزجية الفراغ أو حكاءً مهمته تسلية الجماهير بدعوى توعيتهم ، ثمة زعم أن تتحول التسلية إلى عمل مؤثر يثَـوِّر الجماهيرأو يوعيها، هذا كلام من قبيل الهرطقة لأن الأديب ليس جماهيرياً من ناحية ومن ناحية أخرى الغرض يظل عبثياً؛ لأن المهرج يظل مهرجا فى نظرنا إليه.
الأديب أديب بلغته وإلا فلا .. إن إختيار لغة الرواية ليس أمراً ميسوراً .. إذ هل علينا ونحن نكتب أن نراعي مستويات المتلقين الذين نفترض وجودهم افتراضاً ما ، وذلك على مذهب الأدب التعليمى الذى يذهبه النقاد العرب التقليديون والمتمثل فى أن الأدب يجب أن ينهض بوظيفة تنويرية في المجتمع، وعليه أن يفيد الناس ويهذبهم تهذيبا ؟ ومع إننا لا نذهب هذا المذهب العليل، ومع أننا أيضا نقر بأدبية اللغة حين تنشط عبر نفسها، فإننا مع ذلك نميل إلى ألا تكون هذه اللغة عامية ملحونة أو سوقية هزيلة أو متدنية رتيبة، و إلي استخدام لغة شعرية ما أمكن، مكثفة ما أمكن ، موحية ما أمكن، تصنع الجمل القصار ما أمكن، وتكون مفهومة مع ذلك لدى معظم القراء الذين لن يكونوا بطبيعة الحال عمالاً أو فلاحين أوحتى معلمى المدارس . هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى يوم أن يتنازل الأديب عن دوره وعن لغته التى هى دوره ليتحول إلى رجل مخترع للحكايات مفبرك للأحداث، خاضع تماماً لمنطق الواقع ومستخدما لأية لغة للتوصيل لا التخييل، فبماذا يمكننا مناقشته غير أن نُخضِع النقاش لنفس المستوى، وننظر فى حكايته التى يفبركها لنحصي له ما سقط فيه من فجوات أثناء الحكاية وما فاته أن يسبر غوره أمام الصابرين من القراء .
... يتبع ...
7
7
7
7