غزوات وسرايا الرسول
قال ابن إسحاق: أول ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبواء ثم بواط، ثم العشيرة. ثم روى عن زيد بن أرقم: أنه سئل كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: تسع عشرة ، شهد منها سبع عشرة أولاها العسيرة - أو العشيرة.
عن بريدة قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة ولمسلم عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة.
وفي رواية له عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وقاتل في ثمان منها وقال الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا سبع عشرة غزوة وقاتل في ثمان يوم بدر، وأحد والأحزاب والمريسيع، وقديد، وخيبر، ومكة، وحنين، وبعث أربعاً وعشرين سرية.
عن مكحول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا ثماني عشرة غزوة قاتل في ثماني غزوات أولاها بدر، ثم أحد ثم الأحزاب، ثم قريظة ثم بئر معونة، ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة، ثم غزوة خيبر، ثم غزوة مكة، ثم حنين والطائف.
عن قتادة: أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه ثلاث وأربعون: أربع وعشرون بعثاً، وتسع عشرة غزوة، خرج في ثمان منها بنفسه: بدر، واحد، والأحزاب، والمريسيع، وخيبر، وفتح مكة، وحنين، وقال موسى بن عقبة عن الزهري: هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قاتل فيها يوم بدر في رمضان سنة اثنتين، ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق - وهو يوم الأحزاب - وبني قريظة في شوال من سنة أربع، ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس ثم قاتل يوم خيبر سنة ست، ثم قاتل يوم الفتح في رمضان سنة ثمان، ثم قاتل يوم حنين وحاصر أهل الطائف في شوال سنة ثمان، ثم حج أبوبكر سنة تسع، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع سنة عشر، وغزا اثنتي عشرة غزوة ولم يكن فيها قتال، وكانت أول غزوة غزاها: الأبواء. عن الزهري قال: أول آية نزلت في القتال: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) (الحج 39). بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فكان أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يوم الجمعة لسبع عشرة من رمضان، إلى أن قال: ثم غزا بني النضير، ثم غزا أحداً في شوال - يعني في سنة ثلاث - ثم قاتل يوم الخندق في شوال سنة أربع، ثم قاتل بني بني لحيان في شعبان سنة خمس، ثم قال يوم خيبر سنة ست، ثم قاتل يوم الفتح في شعبان سنة ثمان، وكانت حنين في رمضان سنة ثمان. وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدى عشرة غزوة لم يقاتل فيها، فكانت أول غزوة غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبواء. ثم العشيرة، ثم غزوة غطفان ثم غزوة الصفراء ثم غزوة تبوك آخر غزوة.
قال محمد بن إسحاق قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الإثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل لإثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثلاث وحمسين سنة، وذلك بعد أن بعثه الله بثلاث عشرة سنة فأقام بقية شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر وجمادين ورجباً وشعبان وشهر رمضان وشوالاً وذا القعدة وذا الحجة وولى تلك الحجة المشركون والمحرم، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غازياً في صفر على رأس اثني عشر شهراً من مقدمة المدينة. قال ابن هشام: واستعمل على المدينة سعد بن عبادة.
قال ابن إسحاق: حتى بلغ ودان وهي غزوة الأبواء.
قال ابن جرير: ويقال لها: غزوة ودان أيضاً، يريد قريشاً وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كناة، فوادعته فيها بنو ضمرة وكان الذي وادعه منهم مخشى ابن عمرو الضمري، وكان سيدهم في زمانه ذلك.
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيداً فاقام بها بقية صفر وصدراً من شهر ربيع الأول.
الأذان للصلاة والإقامة
قال ابن إسحاق: فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين واجتمع أمر الأنصار استحكم أمر الإسلام فقامت الصلاة، وفرضت الزكاة والصيام، وقامت الحدود وفرض الحلال والحرام وتبوأ الإسلام بين أظهركم وكان هذا الحي من الأنصار هم الذين تبوأوا الدار والإيمان وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها بغير دعوة، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل بوقاً كبوق يهود الذي يدعون به لصلاتهم ثم كرهه، ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين للصلاة، فبينما هم على ذلك رأى عبدالله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه أخو بلحارث بن الخزرج النداء، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه طاف بي هذه الليلة طائف مر بي رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوساً في يده فقلت: يا عبدالله أتبيع هذا الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعو به إلى الصلاة قال: ألا أدلك على خير من ذلك؟ قلت: وما هو؟
قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمد رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
فلما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها فإنه أندى صوتاً منك) فلما أذن بها بلال سمعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر رداءه وهو يقول: يا نبي الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد.
وعند أبي داود أنه علمه الإقامة قال: ثم تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
عن عبدالله بن زيد الأنصاري قال في ذلك:
الحمد لله ذي الجلال وذي الإ ... كرام حمداً على الأذان كبيرا
إذ أتاني به البشير من الله ... فأكرم به لدي يشيرا
في ليال والى بهن ثلاث ... كلما جاء زادني توقيرا
قال ابن هشام: وذكر ابن جريج قال: قال لي عطاء سمعت عبيد بن عمير يقول: ائتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الناقوس للإجتماع للصلاة، فبينا عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس إذ رأى عمر في المنام: لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا للصلاة.
فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بما رأى وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك فما ارع عمر إلا بلال يؤذن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبره ذلك: (قد سبقك بذلك الوحي) وهذا يدل على أنه قد جاء الوحي بتقرير ما رآه عبدالله بن زيد بن عبد ربه كما صرح به بعضهم والله تعالى أعلم.
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار قالت: كان بيتي أطول بيت حول المسجد، فكان بلال يؤذن عليه للفجر كل غداة فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينتظر الفجر، فإذا رآه تمطى (نهض ومد يديه) ثم قال: اللهم أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك.
قالت: ثم يؤذن: قالت: والله ما علمته كان تركها ليلة واحدة - يعني هذه الكلمات - ورواه أبو داود من حديثه منفرداً به.
بناء المسجد الأول
عن أنس بن مالك قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل في علو المدينة في حي يقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى ملأ بني النجار فجاءوا متقلدي سيوفهم. قال: وكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب.
قال: فكان يصلي حيث أدركته الصلاة، قال: ثم إنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملاء بني النجار فجاءوا فقال: (يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا) فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عزوجل، قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخرب فسويت، وبالنخل فقط.
قال: فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه (جانبيه) حجارة.
قال: فجعلوا ينقلون ذلك الصخر وهم يرتجزون (ينشدون) ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم يقول: (اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة).
عن الزهري عن عروة: أن المسجد الذي كان مربداً - وهو بيدر التمر - ليتيمين كانا في حجر أسعد بن زرارة وهما: سهل وسهيل، فساومهما فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله فأبى حتى ابتاعه منهما وبناه مسجداً.
وعن الحسن قال: لما بني رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد أعانه عليه أصحابه وهو معهم يتناول اللبن حتى اغبر صدره، فقال: (ابنوه عريشاً كعريش موسى فقلت للحسن: ما عريش موسى؟ قال: إذا رفع يديه بلغ العريش - يعني السقف - .
وعن ابن عمر: أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت سواريه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جذوع النخيل، اعلاه مظلل بجريد النخل. ثم إنها تخربت في خلافة أبي بكر، فبناها بجذوع وبجريد النخيل. ثم إنها تخربت في خلافة عثمان فبناها بالآجر، فما زالت ثابتة حتى الآن. ولم يكن في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أول ما بني منبر يخطب الناس عليه، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس مستنداً إلى جذع عند مصلاه في الحائط القبلي فلما اتخذ له عليه السلام المنبر - كما سيأتي بيانه في موضعه - وعدل إليه ليخطب عليه، فلما جاوز ذلك الجذع خار ذلك الجذع وحن حنين النوق العشار لما كان يسمع من خطب الرسول عليه السلام عنده، فرجع إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه حتى سكن.
التاريخ الإسلامي الهجري
اتفق الصحابة رضي الله عنهم في سنة ست عشرة - وقيل: سنة سبع عشرة، أو ثماني عشرة - في الدولة العمرية على جعل ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة، وذلك أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رفع إليه صك - أي حجة - لرجل على آخر وفيه أنه يحل عليه في شعبان.
فقال عمر: أي شعبان؟ اشعبان هذه السنة التي نحن فيها، أو السنة الماضية، أو الآتية؟
ثم جمع الصحابة فاستشارهم في وضع تاريخ يتعرفون به حلول الدين وغير ذلك.
فقال قائل: أرخوا كتاريخ الفرس. فكره ذلك، وكانت الفرس يؤرخون بملوكهم واحداً بعد واحد.
وقال قائل: أرخو بتاريخ الروم. وكانوا يؤرخون بملك اسكندر بن فلبس المقدوني فكره ذلك.
وقال آخرون: أرخوا بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وقال آخرون: بل بمبعثه..
وقال آخرون: بل بهجرته.
وقال آخرون: بل وفاته عليه السلام.
فمال عمر رضي الله عنه إلى التاريخ بالهجرة لظهوره واشتهاره .. واتفقوا معه على ذلك.
ثم قالوا: وأي الشهور نبدأ؟
قالوا: رمضان.
ثم قالوا: المحرم فهو مصرف الناس من حججهم، وهو شهر حرام، فاجتمعوا على المحرم.
نهاية الموضوع